يعد تقرير مبيعات التجزئة الصادر عن مكتب الإحصاء الأمريكي واحدًا من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تراقب عن كثب من قبل المتداولين والمستثمرين، حيث يقيس التغير في القيمة الإجمالية للمبيعات على مستوى التجزئة. نظرًا لأن مبيعات التجزئة تمثل جزءًا كبيرًا من إنفاق المستهلكين، والذي يشكل بدوره معظم النشاط الاقتصادي العام، فإن أي تغيير في هذا المؤشر يمكن أن يكون له تأثير كبير على الأسواق.
من المهم ملاحظة أن مبيعات التجزئة تعد من أقدم وأوسع البيانات المتاحة التي تقدم نظرة مبكرة على إنفاق المستهلكين، وبالتالي تُعتبر أداة حيوية للمستثمرين عند تحليل قوة الاقتصاد الأمريكي. يتم إصدار التقرير بشكل شهري، بعد حوالي 16 يومًا من نهاية الشهر، ومن المقرر أن يصدر التقرير التالي في 17 أكتوبر 2024.
عند استعراض البيانات التاريخية الأخيرة، نرى تقلبات واضحة في مبيعات التجزئة. في 15 أغسطس 2024، جاءت القراءة الفعلية لمؤشر مبيعات التجزئة عند 1.0%، وهي أعلى بكثير من التوقعات التي كانت تشير إلى 0.4%. كما أنها تمثل تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالقراءة السلبية لشهر يوليو 2024، التي بلغت 0.0% مقارنة بالتوقعات التي كانت عند -0.3%. ويظهر التحسن الكبير في قراءة أغسطس أن المستهلكين الأمريكيين قد زادوا من إنفاقهم بشكل ملحوظ، مما يعكس قوة في الطلب المحلي.
لكن بالنظر إلى الأشهر السابقة، نرى أن البيانات كانت مختلطة إلى حد ما. في يونيو 2024، سجل المؤشر 0.1%، وهو أقل من التوقعات التي كانت عند 0.3%، مما يشير إلى ضعف في الإنفاق خلال هذا الشهر. كما شهدت مبيعات التجزئة في مايو 2024 استقرارًا عند 0.0%، وهو أقل من التوقعات البالغة 0.4%. ومع ذلك، في أبريل 2024، بلغت القراءة الفعلية 0.7% متجاوزة التوقعات التي كانت عند 0.4%.
هذا التذبذب في البيانات يشير إلى حالة من عدم الاستقرار في سلوك المستهلكين، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على العملة. منذ الإعلان الأخير في 15 أغسطس 2024، لاحظ المتداولون انخفاضًا في قيمة زوج العملة اليورو/دولار أمريكي (EURUSD). يبدو أن التحسن القوي في مبيعات التجزئة الأمريكية قد دعم الدولار الأمريكي، مما أدى إلى الضغط على اليورو وانخفاض قيمته مقابل الدولار. عندما تأتي البيانات الفعلية أفضل من التوقعات، كما حدث في أغسطس، يعزز ذلك من توقعات المتداولين بزيادة الطلب على العملة الأمريكية، حيث إن القوة في إنفاق المستهلكين تعني أن الاقتصاد في حالة جيدة، وربما قد يؤدي ذلك إلى رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
على الرغم من أن التراجع في زوج EURUSD قد يكون نتيجة لعوامل متعددة، إلا أن قوة البيانات الاقتصادية الأمريكية تلعب دورًا كبيرًا في دعم الدولار. إن زيادة مبيعات التجزئة تشير إلى اقتصاد قوي ونمو في الطلب المحلي، وهو ما يعزز من جاذبية الأصول المقومة بالدولار. بالتالي، قد يواصل الدولار الأمريكي تحقيق مكاسب إضافية مقابل العملات الأخرى مثل اليورو في حالة استمرار صدور بيانات اقتصادية قوية.
في المجمل، يمثل تقرير مبيعات التجزئة مؤشرًا هامًا يجب مراقبته عن كثب. وإذا استمرت البيانات في تجاوز التوقعات، فإن ذلك قد يعزز من احتمالات اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي خطوات إضافية لرفع أسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى تعزيز الدولار بشكل أكبر. وفي نفس الوقت، ينبغي مراقبة تأثير هذه البيانات على الأسواق المالية، خاصة على العملات الرئيسية مثل اليورو والدولار الأمريكي.